كتاب “خيانة المثقفين” واحدٌ من أهمِّ الكتب التأسيسية، التي تناولت دور المثقف وأهميته في محيطة الاجتماعي، وخطورة تقاعسه عن هذا الدور الطليعي، وركونه إلى الدعة والحياة الباذخة، التي تتعالى عن الاهتمام والانخراط في قضايا الشأن العام، التي تتمحور حولها حياة الناس ومشكلاتهم، نشر الفيلسوف الفرنسي “جوليان بندا” “1867-1956” هذا الكتاب في طبعته الأولى عام “1927” بعيد الحرب العالمية الأولى، ثم أعاد طباعته ثانيةً بعد أن قدَّم فيه إضافات مهمة، بعيد الحرب العالمية الثانية عام “1946” عقب خروج القوات الألمانية من فرنسا، وقد عانت فرنسا يومها الكثير من تخاذل طبقة من المثقفين، وتقاعسهم أو نأيهم بأنفسهم عن قضايا الشارع، الأمر الذي سماه “جوليان بندا” خيانة المثقفين.
يصور جوليان بندا هذه الأزمة العنيفة التي طرأت على المثقفين، فلامست أخلاقهم وإنتاجهم، ومواقفهم من المشكلات الهامة والخطيرة، التي بدأت ترخي ظلالها بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، فأين يقف المثقف في هذا الاضطراب الوعر، الذي حلَّ بالمجتمع والأفراد على حدٍ سواء، وهل يصح له النأي بنفسه عن مشكلات الناس اليومية والتي تلامس كل مناحي حياتهم، وهل لهذا المثقف الذي قصر حياته على مجاني الفكر ويقظة العقل المتفكر، والنفس المترفعة عن الدنايا، أن يغفل عن خطورة دوره ومسؤوليته تجاه محيطه العام، فيبني لذاته برجاً عاجياً ينعم فيه ببرودة الفكر وكسل الروح .