السيدة التي حسبت نفسها سوسة

دار المعرفة

Sale price 180.00 EGP Regular price 200.00 EGP

لا أستطيع أن أُحصيَ عدد المرات التي راودني فيها الشك، قد لا تكون موجودًا بالفعل إلا في دماغي كما تقول أختي هِندة، لكنني في آخر لحظاتي آمنتُ أنَّك حقيقيٌّ وأنك موجود في مكان ما وأنَّك تعرفُني، ولربما حتى كنتُ محظوظة إلى حد أنَّك حدَّثتَ أحدًا عني، قلتَ لأحد ما:
“كنتُ أحبُّ امرأة اسمها رئيفة، كانت تُعدُّ الشاي كأنها تصلي، وكانت تحلم ببيت صغير في الغابة تُطلق فيه شعرها المُموَّج للريح، وكانت تُحبُّني وأرادت أن نضع رأسَينا مَغزُوَّين بالشيب والذكريات على وسادةٍ واحدة”.

إنَّني -يا رئيفةُ- رجلٌ معجونٌ بالخوف، أخافُ من كلِّ شيء؛ من أن أضعُفَ بكِ أمامَك، ومن أن تتقوَّيْ بي عليّ، ومن أن أُديرَ مفتاحي في البابِ بعدَ يومِ عملٍ مُنهكٍ وفظيعٍ فلا أجدَكِ خلفَ الباب، أخافُ ألَّا تُحبِّيني، وأخافُ ألا تُتاحَ لي الفرصةُ الكافيةُ لأكرهَك، وأخافُ ألا تكوني موجودةً على هذه الأرضِ حيثُ أنا مَزروعٌ في مكاني مثلَ نبتةِ شوك، أخافُ أن تُمكِني لي وأنا بكلِّ هذا القبح، وأخافُ ألَّا تُمكِني لي وأنا رجلٌ حزين.

ماذا أقولُ لكِ؟ أخافُ ألا تطبخي لي، وألَّا تُمسِّدي ملابسي الحزينةَ بيدَيكِ الطيِّبتين، وألا تغسليني آخرَ الليلِ من كآبتي وهمومي. إنَّ الرجلَ -يا رئيفةُ- في حقيقتِه كائنٌ هشٌّ وضعيف، صحيحٌ أنَّ بإمكانِه خارجَ البيتِ أن يُصارعَ ويُصارعَ من أجلِ البقاء، من أجلِ لقمةِ العيشِ ومن أجلِ الكرامة، وهذا ما تقتضيه الحياةُ على كلِّ حال، لكنَّه يودُّ أن يعودَ إلى البيتِ سريعًا ليتحوَّلَ إلى قطٍّ أليفٍ تمسحُ امرأتُه على رأسِه، أنا هذا الرجلُ الهشُّ يا رئيفة؛ حتى إنَّني سأبكي إذا رفعتُ وجهي عن هذه الورقةِ الآنَ ولم أجدكِ جالسةً على الأريكةِ تعبثين بكرةِ الصوفِ وتنظرين إليّ!